الدفان



ميرفت البلتاجي/تكتب..........
الحلقة الأولى
الدفان
............
أثار صفير سارينة الإسعاف في هدوء المكان إزعاج غير مألوف، فاليوم هو أول الأسبوع، حيث لا زوار ولا مقرئين، فقط حفيف الأشجار ومواء قطة تفر مسرعة وكأن شيئًا ما يسعى في إثرها، وربما تلك النسمة الغريبة التي تطير أوراق الشجر الجافة عبر طرقات المدافن الصامتة.
أمسك الشاب بكف العجوز بينما يحمله المسعفون على المحفة ويركضون باتجاه السيارة:
ـ عم درديري، شد حيلك يا راجل يا عجوز، أنت عضمة كبيرة وجعة زي دي متجيبش معاك واطي .
سعل العجوز بينما يضعه المسعفان داخل السيارة، يحاولان منع الشاب من اللحاق به، ولكن تمسكه بكف العجوز يزداد:
ـ شوية بس يا واد عمي، هجول للراجل كلمتين.
تبرم المسعف بينما هتف الشاب:
ـ عم درديري...أعمل إيه في الورطة دي لحد ما تعاود بالسلامة.
قبضت أصابعه النحيلة المتعرقة على يده:
ـ زي ما وصيتك يا مصيلحي...
ـ وصيتني أيه بس يا عمي...أنت خابر أني بخاف من خيالي، وكنت أنت اللي مونسني في المخروبة دي.
ـ يا واد يا غشيم...معايا في الشغلانة دي من خمس سنين ولساك زي ما أنت...بس خليك فاكر...بعد صلاة العشا...كان ما كان لو عدى ورمى عليك السلام ما تردش عليه...خليك واعي يا ويلد...لو حد نادى باسمك ولا سمعت حد بيستنجد، اعمل ودن من طين وودن من عجين...
ـ خابر يا عمي والله خابر...سايج عليك اللي هيشفع فيك متعوجش.
ـ وهو بخوطري يا واد...هو جلبي اللي معادش متحمل، بس أنت جول يا رب..
صوت أحد المسعفين:
ـ إيه يا عم أنت وهو خلصتوا فيلم الرعب ولا لسة.
لوح مصيلحي في وجهه:
ـ خلصنا يا عم إيه هي الدنيا طارت...أشوف وشك بخير يا عم درديري.
ونزل من سيارة الإسعاف ولوح للرجل العجوز الذي هتف وهم يضعون فوق فمه قناع الأكسجين...كان يبدو وكأنه يقول لمصليحي شيئًا هامًا... حاول الشاب الصعود لسماعه ولكنهم أغلقوا الباب دونه وانطلقت السيارة مبتعدة عنه...
حك فكه يفكر.."ترى ماذا كان يقول له العجوز، كانت عيناه متسعتان بخوف، وكأنه يحذره من شيء هام"
بدأ يشعر بقشعريرة تسري بجسده، خاصة وقد قاربت الشمس على الغروب وبدأت نسمات الهواء تتلاعب بأوراق الشجر في الطرقات، وها هي القطة تركض بين شواهد القبور وقد وقف شعرها رعبًا.
رفع رأسه للسماء فوقف شعره هو الآخر عندما وجد القمر يطل عليه بدرًا...هتف وهو يركض ليختبئ في غرفته الخشبية:
ـ يا ليلة سودا...الجمر بدر الليلة...دي عملة تعملها فيا يا عم درديري...
......إلى اللقاء في حلقة جديدة من حلقات...
بقلم\ ميرفت البلتاجي


الحلقة الأولى

ليست هناك تعليقات