بعد فوات الأوان


 
 
 قصة قصيرة بقلم = عادل شاكر
 
بعد فوات الأوان

=========


قصة قصيرة بقلم = عادل شاكر

%%%%%%%%%%%%


بعد فوات الأوان


قررت أن ترتدي أجمل ما عندها وتطلبه هاتفيا تخبره أنها تريد


أن تتناول العشاء معه بالخارج لتحاول إذابة الجليد بينهما


بعد كثرة المشاكل التي تعاظمت خلال فترة الخطوبة التي طالت


فوجدت هاتفه مغلق وخارج نطاق الخدمة


فقد كان في أبعد مكان ممكن أن تتخيله لقد ترك البلاد


.هجرة بلا عودة فلا طاقة له بحبيبةٍ لا ترى فيه إلا حافظة


نقود والسهرات والحفلات والهدايا - هاجر بليل ولم يخبر أحدا


أصبح يرى الناس في دنياه الجديدة ولا يراهم


فهم ماكينات عمل نهِمة للمال لا تقيم للمشاعر وزناً بدنيا المادة والمصالح


كل شيء لديهم مقوَّم بعائده بفائدته بمردودهِ المادي المحسوس


ماتت عندهم من زمنٍ الأحاسيس التي ولدت منذ فجر التاريخ


بالشرق شرقنا وبأرض بلادنا ولكننا تفرنجنا وصرنا مثلهم


كنا قديماً نوقظ إحساسنا مع ولادة شمس دفء الصباح ولهيب أشواق الظهيرة


وحنين الغروب كنا كتلة من المشاعر من الشروق للغروب


وآه من حنين ساعة الغروب تذكرها فقد كانت بينهما ذكريات


شاهد طيفها وكأنه يعبر أمامها الطريق للقائها


وهي تتلقفه بعيونها مع أول رمقٍ لإسدال ستائر الليل الشفافة


قبل السدول الكثيفة للعتمة وإيقاظ المصابيح


وبينما هو شارد سادر في طريقه إذا به يصطدم بكتف إمرأة


مسقطاً أحمالها إعتذر بلغتهم الإنجليزية فردت عليه بالعربية


فملامحة جلية الوضوح لا تخطئها عين جلس القرفصاء


يلملم أغراضها المبعثرة ويضعها بالأكياس وهو جد آسف وهي


تقول له حصل خير مفيش حاجة تنكسر


وبعد القيام إستقاما وجها لوجه أربعينية المظهر خمرية البشرة


ملونة العينان شرقية الملامح يكسو وجهها لمحة الحزن المصري المقيم


قالت آسفة لما سببته لك من حرج بشرودي وعدم إنتباهي فقال


بل أنا من كان في عالم آخر فتبسمت وقالت الحال من بعضه


دعاها لتناول مشروب بأحدي الكافيهات المنتشرة إنتشار محلات


الفول والفلافل ببلده


قبلت دعوته وتجاذبا أطراف الحديث تعارفاً هي من محافظة تبعد


قليلا عن محافظته ببلده الأم قهرتها الظروف وإستلب حقوقها


أقرب الأقربين فقررت الرحيل والغروب عن وجوههم جميعا


لتريحهم وترتاح شرح لها شذرات وقطوف من أوجاعه وآلامه


فكلاهما فقد من مقومات الحياة السعيدة الكثير الكثير


لحظات إقتطفاها من عمر الزمان إستعداداً للركض في بلاد


المهجر لحظات جلوس كلام وإنصات وشرب على مهل تعابير


إنقطع التعامل بها وكان المرور يرمقانهما بنظرات فيها


الفضول وفيها التعجب نظرات لاتقتطع من عمر الزمان ثوان ولكن


بوجوه خشبية لا روح فيها ولا تعبير كأنهم صور متحركة بينما هما


يبتسمان والبسمة تدوم وكأنهما وقعا على كنزيهما الذي أطالا


البحث عنه منذ سنين ووجد كل منهما ضالته


لقاء طال توقفت فيه عجلة الزمان عن الدوران لم يريدا أن يتركا


بعضهما وتضيع آخر فرصة لهما بإستكمال الحياة


كما يجب أن تكون


تصغره بعقدين من السنين ..... لا يهم


فالقواسم المشتركة تَجُب الفوارق


متعلمة مثقفة ومثله حزينة مهمومة


تعاهدا على اللقاء تبادلا أرقام الهواتف


أطلعا بعضهما على أماكن العمل وساعات المداومة والراحات


ومضيا كل في طريق والقلوب شواغل بعد أن كانت صدفة اللقاء


بشرود العقول


مرت أيام لم يتصلا


يسجل الرقم ثم يلغيه


فلماذا لا تتصل هي


خيبات أمل العمر أبعدته عن دروب الشجاعة صار الإتصال


الهاتفي بأنثي يشكل عنده نوع من الرهاب والتفكير في الغد


السعيد درب من دروب الجنون


تشجع تماسك تحفز وأتصل فإذا بالرقم غير موجود بالخدمة


سأل بشركة الهاتف الخلوي فأبلغوه بأن هذا الرقم ما له وجود


ذهب لمقر عملها الذي أبلغته به وأعطي للموجودين هناك وصفها


وشكلها فأنكروا وجود مصرية بينهم بتلك المواصفات وكان


بمقعد قريب موظف عجوز يسمع الحديث فنادي على الرجل وقال


له منذ متي وأنت تبحث عن تلك السيدة فقال له قابلتها منذ


بضعة أيام وأود الإطمئنان عليها اليوم


قال الرجل متثاقلاً بطيئا وقال له إتبعني


سارا بدهاليز المكاتب المتراصة بساحة فسيحة لا يفصل بينها


إلا قواطع خشبية قصيرة فلا مكاتب مغلقة بل جميعهم في بهو كبير


حتى وصلا لركن ممتليء بالدواليب المعدنية لحفظ الملفات


سأله عن إسمها مرة أخرى لزيادة التأكيد فأبلغه به


وصار يقلب بالملفات المتراصة بالتسلسل الأبجدي حتى أخرج ملفها


تعلوه صورتها فهتف الشاب قائلاً نعم هي تلك وهذه صورتها


فقال له الرجل ولكنها ماتت منذ سنوات بحادث سير بالتقاطع


التالي لمقر شركتنا فقال له الشاب هذا هو المكان الذي قابلتها فيه


فقال الموظف له كانت بيننا تبحث عن شيء تتمناه لم تجده إلا بعد


وفاتها كانت تبحث عنك تتلهف عليك وفي شرود دائم ولما تأخرت عليها


قابلتك بروحها ولكن بعد فوات الأوان


***


عادل شاكر

ليست هناك تعليقات