الجَانُّ المُفزِعُ ...


 إحسان الخوري/يكتب............
الجَانُّ المُفزِعُ ...
السَّماءُ هٰذهِ الليلةَ بَارِدَةٌ ...
الظَّلامُ لمْ يكُنْ دامِساً ..
القمرُ مُختَبِئٌ بينَ الغُيومِ ..
يُضِيءُ بِتَرَجْرُجٍ ..
فأدَّثرتُهُ بِمِعطَفي الأَصوَفِ ..
ونظراتي مَشْدودَةٌ إليهِ ...
المطرُ أخْلفَ وَعدَهُ ..
هوَ لمْ يُؤمِنْ بِريحِ الشَّمالِ ..
ربَّما أتعبَهُ الهَطلُ المُتَكَرَّرُ ..
أو شَيئاً من الغَنْجِ ..
أو ارتِباكاً من حُسنِكَ يا قَمَرُ ..!!
لكنَّهُ لمْ يُكذِّبِ الخَبَرَ .. 
فقدْ تَجَهَّمَتِ السَّماءُ ..
مَمنوعٌ الابتسامُ ..
غيومٌ كثيرةٌ وَصَلتْ ..
بدأتْ تمتلِيءُ الفراغاتُ ..
ولا شيءَ بعدُ يتَّسِعُ ...
هيَ اكفهرَّتْ ..
وزجَّتْ بِمِزيدٍ من التَّوابِعِ ..
فأتَتْ ريحٌ علىٰ عَجَلٍ ..
تَحمِلُ في جُعبَتِها الاضطِرابَ ..
هيَ تبدو حانِقةً ..
فلمْ يبقَ أحدٌ في السَّماءِ ..
لكنَّ الرُّعودَ لا تعرفُِ الانهِزامَ .. 
فَضَحِكَتْ بأفواهِ الجانِ المُفزِعِ ...
وبدأتِ الأسطورةُ ...
ضُرِبَتْ كؤوسَ المَحفَلِ ..
تعالَتْ أصواتُ الجُموحِ ..
دوزنَتِ الرِّيحُ أوتارَها ..
هيَ تُريدُ أن تُجاهرَ بالهَوْلِ ..
طفقَتْ تلطِمُ بِمَكْرٍ ..
تُزمجِر بصريرِ أسنانِها ... 
تَزعقُ ..
تنبُشُ البلاءَ ..
والتهمَتْ بشراسةٍ كَبِدَ السَّماءِ ...
صرختْ ابنةُ الليلِ ..
مزِّقَتْ أرديَتَها ..
واستَطَارتَ كلُّ الأشياءِ ...
فاعتَصَرَتِ السَّماءُ أحشَائَها ..
شَرِبِتْ الحَنَقَ علىٰ مَهلٍ ..
وهَطَلتْ بِمِلءِ تَوَجُّعِها ..
فارتْ الخوابي ..
غَرِقتْ النَّوافذُ ...
فَفَطِنَ الغَيمُ ..
تَفَقَّدَ شجرةَ الصَّفصَافِ ..
جَسَّ أنفاسَها المُنهَكةَ ...
عَسَىٰ أن تكونَ على قَيْدِ الحياةِ ...
ثُمَّ وفجأةً ...
خَلعَتِ الرِّيحُ اهتياجَها الفائِتْ ..
إنفلتَ الصَّمتُ ..
بدأ التَّرحَالُ ..
فَأبَانَ القَمَرُ وجْهَهُ ..
 ولاذَ الجَانُّ المُفزِع بالفٍرارِ ....

من ديواني الرَّابعِ : نِساءٌ من شَمعٍ
 بقلم : الشَّاعر إحسان الخوري

ليست هناك تعليقات