باب الابواب





الاستاذ د. صالح العطوان الحيالي //يكتب 



مدينة دربنت.."باب الأبواب" نقطة الانطلاق  لنشر الإسلام في آسيا الوسطى
 ـــــــــــــــــــــــــــــ. د.صالح العطوان الحيالي
  
تعد مدينة "دربنت" أبرز المدن والحواضر الإسلامية في جمهورية داغستان، وإحدى الجمهوريات التي تتمتع بالحكم الذاتي ضمن الاتحاد الروسي، كما تعد "دربنت" إحدى أهم المعابر الرئيسية التي انطلق منها المسلمون لنشر الإسلام في دول آسيا الوسطى، ومنها إلى بلاد روسيا وشرق آسيا.
  نبذة عن داغستان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ داغستان إحدى الجمهوريات التي تتمتع بالحكم الذاتي، عاصمتها "محج قلعة"، وتبلغ مساحتها 50.300 كم²، ويبلغ عدد سكانها نحو 2.576.531، معظمهم من المسلمين، حيث يشكلون نحو 90% من إجمالي عدد السكان، وفقًا لإحصاءات (2002)، اللغة الروسية هي اللغة الرسمية في الدولة، وكانت داغستان جزءًا من الران، والران من إقليم أكبر أطلق عليه المؤرخون والجغرافيون العرب (الرحاب)، الذي كان يضم (أرمينيا، وأذربيجان، وداغستان).
ويحد داغستان من الغرب جبال القوقاز، ومن الشرق بحر قزوين، ومعني داغستان فی اللغه الترکية "أرض الجبال"، وتشترك في حدودها الغربية مع جورجيا، وشاشان، أما الشمالية والشمالية الغربية فتشترك مع جمهورية روسيا الاتحادية، وحدودها الجنوبية تشترك مع أذربيجان.
  فتح باب الأبواب:
ــــــــــــــــــــــــ يمكن القول أن احتكاك المسلمين بمدينة دربنت قد مر بثلاث مراحل كالتالي: 
1- بدايات دخول الإسلام:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ يرجع دخول الإسلام إلى دربنت- التي أطلق عليها المسلمون فيما بعد مدينة "باب الأبواب"، نظرًا لاتخاذها منطلقًا لنشر الإسلام في ربوع المنطقة وآسيا الوسطى وشرق آسيا- إلى عهد ثاني الخلفاء الراشدين "عمر بن الخطاب"، وبالتحديد في عام 20هـ حينما سيّر الخليفة العادل حملة بقيادة "عمرو بن سراقة"، لفتح المدينة، وتشير كتب التاريخ إلى أنه لم يحدث قتال، حيث اتفق الطرفان عمرو بن سراقة وشهر براز- حاكم مدينة دربنت في ذلك الوقت التي كانت تتبع الإمبراطورية الساسانية- على أن ينضم شهربراز إلى القتال في صفوف المسلمين، في مقابل إسقاط الجزية عنه، وهو ما كان بمثابة خطوة إيجابية للمسلمين، حيث نتج عنها أن جعل المسلمين المدينة قاعدة ومركزًا انطلاق للحملات نحو كثير من الفتوحات في المنطقة.
كما انطلقت الجيوش الإسلامية من مدينة "باب الأبواب" لنشر الإسلام في بلاد الخرز وباقي بلاد الران وأرمينيا، حيث قاد "بكير بن عبد الله" حملة إلى موقان، وقاد "حبيب بن مسلمة" حملة إلى تبليس، وقاد "حذيفة بن أسيد" حملة إلى جبال اللان، وقاد "سلمان بن ربيعة" حملة إلى حدود أرمينيا.
وبذلك تحولت مدينة "باب الأبواب" إلى حصن للدولة الإسلامية في الشمال الشرقي من إقليم "الرحاب" لمواجهة أعداء الدولة الإسلامية من الخزر والروس.
2- الأمويون وإتمام بسط السيادة الإسلامية على المدينة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يمكننا القول أن أمر الاهتمام بمدينة "دربنت" لم يتوقف عند حدود خلافة الفاروق، بل امتد حتى خلافة ثالث الخلفاء الراشدين "عثمان بن عفان"، وصولاً إلى الدولة الأموية، وتحديدًا في خلافة "هشام بن مروان"، الذي شهدت في عصره منطقة دربنت تصعيدًا خطيرًا من قبل الروس والخزر ضد الإسلام، في محاولة منهم لطرده من المنطقة، فما كان من ابن مروان إلا أن سير جيشًا عظيمًا قاده "سعيد الحرشي"، الذي هزم الخزر والران، وتعقبهم بعيدًا خارج حدود إقليم الرحاب.
وبعد تلك المعركة اتبع الأمويين سياسة تركز على إبعاد العناصر المشبوهة من إقليم الرحاب ومدينة "باب الأبواب"، وتوطين العرب والمسلمين في تلك المنطقة للقضاء على التوترات، وتهيئة الأوضاع في المدينة للتهدئة، انطلاقًا من أنها قاعدة ومركز قوي للمسلمين في تلك المنطقة الحيوية، لذلك نجد أن "مسلمة بن عبد الله بن مروان" عمد خلال فتوحاته الحاسمة في القرن الثامن الميلادي، إلى توطين نحو 24 ألف من عربي ومسلم من بلاد الشام في مدينة "دربنت"، مما أدى إلى تغيير الجغرافيا البشرية في تلك المنطقة، وأصبح الجنس العربي العرق الأساسي والرئيس الذي يتكون منه سكان ذلك الإقليم، الأمر الذي ترتب عليه فيما بعد ازدهار الدعوة الإسلامية في منطقة داغستان.
ورغم أن "دربنت" قد شهدت تراجعًا على مستوى المكانة العسكرية إبان حقبة حكم الدولة الأموية، إلا أنها شهدت تطورًا كبيرًا على المستوى الاجتماعي والثقافي، وذلك نتيجة الالتحام الثقافي والحضاري بين الجنس العربي والعرقيات المختلفة التي استوطنت الإقليم، الأمر الذي جعل من "باب الأبواب" نموذجًا للتمازج الثقافي بين العرب والأعراق المنتشرة في منطقة القوقاز تحت مظلة الإسلام.
3- الدولة العباسية وتأكيد السيادة على دربنت:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لم تختلف سياسة الدولة العباسية كثيرًا في تعاملها مع داغستان ومدينة "باب الأبواب" عن سياسات سابقيها، بل إننا نجد أن الدولة العباسية قد اتخذت سياسات مشابهة للدولة الأموية، فنجد أن الخليفة العباسي "أبا جعفر المنصور" استمر في سياسة توطين المسلمين في تلك المدينة، الأمر الذي ترتب عليه تضاعف أعداد المسلمين في الإقليم، كما هاجر إلى المدينة أعداد كبيرة من المسلمين الأتراك، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سيطرة الأتراك السلاجقة تمامًا على منطقة الرحاب وما حولها.
  أبرز المعالم الإسلامية في "دربنت"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أبرز ما تشتهر به مدينة "دربنت" وجود قبور لـ40 من صحابة النبي صلى الله وعليه وسلم، والذين قضوا خلال تواجدهم بالمدينة، إما في معارك الفتوحات الإسلامية، أو أثناء جهودهم لنشر تعاليم الإسلام، ومن أبرز قبور هؤلاء الصحابة قبر الصحابي الجليل "حبيب بن مسلمة الفهري"، الذي كان أحد رواة الحديث عن النبي، وإضافة إلى دوره في رواية الأحاديث النبوية الشريفة، كان قائدًا عسكريًا فذًا، ويشهد على ذلك توليه قيادة الجيوش الإسلامية التي توجهت إلى آسيا الوسطى والقوقاز، وأمره عثمان بن عفان على ولاية قنسرين وأرمينيا، ودخل في معارك كثيرة مع الروم، حتى لقب بـ"حبيب الروم"، واستشهد في إحدى المعارك مع الروم، ودفن بمدينة "باب الأبواب"

ليست هناك تعليقات