الفجالة
ا.د/ محمد موسى.. يكتب ....
القصة القصيرة
الفجالة
♠ ♠
حي الفجالة في القاهرة ، هو أشهر حي في بيع الكتب والأدوات المدرسية ، ولا
يوجد طالب في القاهرة إلا وقد إرتاد هذا الحي لشراء الكتب والكراسات
والكشاكيل والأقلام منه ، وشارع الفجالة ينتهي شمالاً الى ميدان رمسيس ومنه
الي شارع رمسيس ، وفي الإتجاه الأخر الى ميدان التحرير ، وجنوباً ينتهي في
ميدان باب الشعرية وفي منتصفه إتجاه الى منطقة الظاهر، والتي فيها
كنائس وكان يسكنها الكثير من اليهود المصريين ، وكان زميلاً لهؤلاء وهم
طلبه في الجامعة ، إبن صاحب أكبر مكتبة في الفجالة ، وهي تحت عمارة ضخمة
وفخمة في هذا الحي ، كانوا وهم أربعة أصدقاء ، متلازمين من المدرسة الي
الجامعة ، إثنين منهم مصريين مسلمين ووالإثنين الأخرين مصريين مسيحين ،
وأتفقوا أن يلتقوا كل خميس عند المكتبة ، ويأخذوا إبن صاحب المكتبة معهم ،
ليسهروا ، وكان الحاج صاحب المكتبة ، ووالد صديقهم ، يحب هؤلاء الشباب ،
لإنهم يتمتعون بصفات أعجبته ، فلا أحد منهم يدخن ولا يتلفظ أحدهم بألفاظ
خارجة ، وكان شديد الحب لبطل هذه القصة ، ويقول له إذا رأه كنت أتمنى أن
تكون أحد أبنائي فيقول له أنا إبنك يا حاج ، فيرد كنت أريدك إبن يرث ، كان
يعلم أن بطل القصة فقد أمه وأباه وهو لم يتجاوزالثامنه عشر من عمره ، ورغم
هذا كان مجتهداً في دراسته ومستقيماً في سلوكه ، ورغم أنه يملك سيارة ويعيش
في بحبوحة من العيش ، إلا أنه كان الأول على الجامعة بلا منازع ، وكان
برنامج الأصدقاء كل خميس كما يلي كان يحضر بطل القصة بسيارته من مصر
الجديدة ، حيث يسكن ويوقفها في الإتجاة المقابل لرصيف المكتبة ، ويعبر
الشارع ويلتقي بالأصدقاء الساعة السابعة عند المكتبة ، ويصر الحاج صاحب
المكتبة كل مرة على أن يشربوا أي شئ ، وبطل القصة كان يفضل مياة غازية تسمى
إسباتس ، ثم ينطلقوا على الأقدام ، من الفجالة الى شارع الجمهورية شمالاً ،
ويستمروا حتى ينعطفوا يميناً في شارع الألفي ، ثم شارع عدلي ، حتى شارع
سليمان باشا الذي يسمى الأن شارع طلعت حرب في أول سليمان باشا يوجد محل
الأمريكين ، وهو محل للحلويات وبه جلسة جميلة ويشتهر بنوع من الأيس كريم
يسمى ( الغزالات الصغيرة الثلاثة ) ، وهي عبارة عن طبق من الإستلس صغير ،
توضع به ثلاث كورات (بولات) من الأيس كريم المتنوع ، ويغطى بالمربة والكريم
شانتيه ، وتوضع عد 2 بسكويت كأنهما قرني غزال ، بعد الإنتهاء من الأيس
كريم ، يسيروا في الشارع حتى محل يسمى قويدر للحلويات الشرقية ، يتناولون
فيه البسبوسة بالقشطة ثم يسيروا الى محل البن البرازيلي ، وهو أمام سينما
مترو وبجوار مسرح ميامي ، هذا المحل مشهور بعمل كل أنواع القهوة ساخنه أو
مثلجة ، كانوا يتناولون كاكاو مثلج رائع ، ثم يسيرو في الشارع الى محل
للأكلات السريعة إسمه زينه (مكانه الأن محل ملابس ، والحقيقة كل المحلات
التي ذكرت عدا الأمريكين وقويدر قد تغير نشاطها ) يأكولوا سندوتشات
الروزبيف والشاورما ، ثم الي ميدان سليمان باشا مارين بسينما راديو ، وفي
الميدان مكتبة الشروق التى تفرش الكتب على الرصيف ، ويقفوا للإطلاع على
الكتب ، وبطل القصة شديد الشغف بالقراءة ، ودائما يشتري الكتب كل خميس ،
ومرة إشترى كتاب بعنوان المعادلة الإنسانية لأن كاتب الكتاب علي إسمه
يسبقه لواء دكتور ، كما أسمه وهو يتكلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،
ويتكلم عن كيف يقترب الحاكم من المحكومين ، ومع ذلك يزداد مهابه في نفوسهم ،
حتى يقولوا إن درة عمر أهيب من سيوفكم ، وبعد هذا يكونوا قد إتفقوا على
السينما التي سوف يسهروا فيها ، ثم عند العودة يعودون من شارع الجمهورية ،
والذي في منتصفة محل لبيع البليلة وهو محل مشهو كانوا يأخذون طبق بليلة
عليه السكر والزبيب وجوز الهند والقشطة ، ( تغير نشاطه هو أيضاً ) ، ويعود
الى المكتبة حيث يأخذ بطل القصة سيارته الي مصر الجديدة ، حيث بيته ، أما
هم فإنهم يسكنون في الظاهر، بالقرب من المكتبه ، إستمر الوضع هكذا لمدة
سنوات الجامعة ، وحتى بعد التخرج وجاءت منحة لدراسة الماجستير في إنجلتر
لبطل قصتنا فذهب كما العادة الى المكتبة ليتلافى مع أصدقائه ليكون آخر خميس
معهم ، فالسفر يوم الإثنين ، وعندما هم بإغلاق سيارته ويتجه للمكتبة ، سمع
على الرصيف المقابل من ينادي عليه بصوت جهور، إلتفت فإذا رجل ضخم الجثة له
كرش يتقدمه بمسافة ليست بالقليلة ، وإتجه الي هذا الذي نادى عليه ، وسأله
ألست أنت فلان ، فقال بطلنا نعم قال أنا الحنش ، كنت معاك في أولى ثانوي ،
هذا الإسم لا ينسى فهو كان يشترك معه البطل في الحرف الأول من الإسم الأول
( م ) ، ولكن هذا الضخم عُرفَ بالحنش ، وكان قد رسب في أولى ثانوي ، وبطل
قصتنا إنتقل الى الثانية ثانوي ، ثم رسب هو مرة إخرى ، والبطل إنتقل الى
الثالثة ثانوي ، ولما خرج البطل من المدرسة الثانوية الى الجامعة كان هو قد
تم فصله من المدرسة لإستنفاذ مرات الرسوب ، سأله بطل القصة ماذا فعل بعد
ترك المدرسة ، قال عملت مع إبي في تجارة الخردة في السبتية ، ( وعي منطقة
تتجمع فيها تجارة الخردة ) ، وتزوجت وسكنت في تلك العمارة وهي التى تحتها
مكتبة صديقي ، وسأل بطل القصة ماذا تعمل قال أنا معيد في الجامعة ، نظر
إليه يشئ من التعالي وسأله كم راتبك قال له 120 جنية ، قال في اليوم ،
قال لا في الشهر، فضحك ضحكةً ظلت لسنوات ترن في إذن بطل قصتنا ، وقال له
بإستعلاء واضح ، أنا اليوم الذي لا أكسب فية ألف جنية ، أنامه أحسن وأريح
جسمي ، وقال كل عيل من أولادي مصروفه في الشهر أكثر من 200 جنية ، ياراجل
هي فلوس الجامعه فلوس ، نظر اليه البطل وقال يا حنش ، كلامك قد يكون صحيحاً
، ولكن بعد عدد من السنوات سوف أحصل على الماجستير، وبعد هذا سوف أحصل على
الدكتوراه ، وأولادي في المدرسة عندما يسألوا والدكم ماذا يعمل ، سوف
يقولون دكتور في الجامعة ، أما أنت فاليوم وغداً وبعد الغد ، إذا سألوا
أولادك عن عمل والدكم سوف يقولوا تاجر خردة في السبتية ، قال الحنش تعالى
لزيارتي وشوف الأبهه التى أعيش فيها ،علم إيه ياراجل الذي تفتخر به ،وأنتهى
الحديث بينهما ، ثم أكمل بطل القصة يوم الخميس كما هو معتاد ، ودارت
الأيام وبعد سنوات من عودة بطل القصة من أمريكا بعد حصوله على الدكتوراه
كان يجلس ذات يوم في أجازته على شاطئ البحر في المعمورة يقرأ الصحف ، فإذا
بخبر إستوقفه وهو القبض على عصابة لسرقة السيارات وتقطيعها في ورشة خردة في
السبتية وبيعها قطع ، ونظر الى صورة صاحب الورشة فإذا هو الحنش ، قام بطل
القصة ، وسار الى بيته المقابل للشاطئ ، وهو يردد قول الحق سبحانه وتعالى
،ويقول صدق الله العظيم ( تَبَارَكَ إِلَيَّ بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ
عَلَى كُلٍّ شئ قَدِيرٌ ).
ا.د/ محمد موسى
ليست هناك تعليقات