لـــــــونان
محمد القصبي/يكتب..............
لـــــــونان
أفرغ آخر ما في الكأس في فمه منتشيا بإيقاعات موسيقية صامتة..يجول ببصره بين كافة اللوحات التي أبدعها بدءا بظروف نشأتها إلى آخر لحظة من مراحل تشييعها .. و كم كانت تسترعي إحدى النسخ انتباهه في الكيفية التي بيعت الأصلية منها بثمن زهيد لا يغطي نفقاته في علاج داء مزمن ألم به حديثا ...
لقد تنكر له الأبناء.. الإخوة و كل الأصدقاء .. حتى المقاهي الثقافية التي كانت فضاءه المفضل في تنشيط معارضه البسيطة تجهيزاتها.. الغنية دلالاتها قد أقفلت أبوابها المتهرئة في وجهه البشوش الحزين
كانت جل لوحاته يغلب عليها اللونان : /الأحمر و الأخضر كما لو أن مغازيها تتشكل وسام مجد سامق الاعتبار ..فيمنحها التميز لمسة حنين ..ناطقة تعبر فخرا عن شخصيته الحقة بما تنم عنه من وطنية صادقة روحا و عقيدة
فنان/وطني أبي يشتغل على ما اكتنزه من صور حية موجعة تختزل ما ألفه من حياة السجون و المعتقلات ..
لوحات تتحرك بحب الأرض و عشق التاريخ كلونين يتفجران لغة المقدس ..
لونان يطبعان مساره الفني منذ أن أصبح فنانا معترفا به بين الأوساط الهامشية الصامتة رداءة في العيش.. الصاخبة كرامة في المثابرة تمجيدا لرغبة العيش و الحياة في ظل الكرامة التي تغتصب جوعا و قهرا...
متنازلا عن التوقيع أجبر على بيع كل اللمسات المؤثرة الغنية عمقا من سائر اللوحات و القطع الفنية وقد فقدت هويته عليها بقبض ثمنها الهزيل
و في ساعة الصفر من موعد المعاملة..فكر التاجر بخفض الثمن لأنها تقتصر فقط على توظيف اللونين محتجا كون الزبون قد يئس من اقتناء مثل هذه اللوحات التي هي ذات تعبير أحادي الدلالة ..فالتكرار عدو الإبداع و قاتله
كح الفنان المعتل حسير الرأس و ارتضى غير مجادل ما اقره التاجر من ثمن بخس مذل لأنفة المبدع الاعتبارية لكن شريطة الاحتفاظ بلوحة جليلة المضمون في اعتقاده وهي بمثابة خريطة تتجوهر عن هياكل عظمية حمراء تصارع شع عنكبوت بيضاء تغطي سند اللوحة الخضراء...
مرت ثلاثة أيام دون أن يرى الفنان كعادته أمام البيت يدخن أولى سجائره السوداء أمام عتبة البيت .. متصفحا جريدة الصباح إلا بعد أن أوحت رائحة كريهة قد انبعثت من منزله قوية و الذباب الأزرق يطن أمام الباب و النوافذ و على الجدار الدافئ المقابل لأشعة الشمس
مات الفنان صمتا و شيع إلى مثواه الأخير غريبا وحيدا... ووحيدة أقبرت شفرة اللونين معه عروبة و قومية في مقبرة النسيان ...
لكن الذاكرة النفعية سوف تذكره يوما بجلال العطاء حسبها بتكريمه ستسوس بين ذئابها قطعانا من الخرفان..
محمد القصبي
19/نونبر2016
القصر الكبير
المغرب الأقصى
ليست هناك تعليقات