غربة روح

الكاتبة منى شكر / يكتب
........... 
 
نظرت إلى السماء وهي تجلس مسترخية في مقعدها في تلك الشرفة التي تحب لحظات التأمل فيها.
أخذت نفسا عميقا ثم أغمضت عينيها وراحت تعبث بشعرها ملقية خصلاته إلى الوراء.
سمعت صوت الباب يفتح ويدخل شقيقها مناديا زوجته التي لم تتأخر عليه كثيرا ملبية النداء.
لا تعرف لم كانت تصغي السمع لهما وربما تعرف وتتجاهل.
سمعت صوت القبل المتبادلة بينهما يتكرر عدة مرات بعمق ولهفة ،انصتت أكثر لتلتقط كل الذبذبات والهمسات التي تولد هناك.
سمعت زوجة أخيها تضحك بغنج والآخر يداعبها، لم تكتف، نهضت لتسترق النظر والسمع عن قرب وراحت تنظر إليهما من خلف ستارة الشرفة التي لا ينفك يعبث بها هواء أيلول العذب الجميل.
رأته يقبلها برغبة وهي الأخرى مستسلمة بين ذراعيه تتلوى من عنف القبلة وتأثيرها وتتأوه بدلال وتحبب.
تركت النظر إليهما وتنهدت بحرقة وألم :
-إلا يراعيان مشاعر الاخرين؟
عضت على شفتها السفلى كأنها تخاف أن يسمع همسها.
أعادت النظر ثانية وجدتهما قد تماديا، هو يطوقها بذراعيه ضاغطا بقدر ما يسمح الموقف والمكان ،هي الأخرى ارسلت ذراعيها لتطوقه حول رقبته وراحت تحدق فيه وتهمس له في أذنه كل مرة بعبارات تجعله يقهقه ثم يهدأ فيعود ليهمس في اذنها فتطير جذلى هي الأخرى.
دفعت مقعدها قليلا كي يسمعا الصوت وعسى أن ينتهيا ،لكن الصوت كان أقوى مما أرادت.
إنتبه الإثنان إلى مصدر الصوت وراحا يسرعان الدخول إلى مخدعهما تاركينها في خضم أمواج حرى لا ترحم ولا تهدأ.
رجعت إلى كرسيها وحيدة كما كانت تراقب البيوت البعيدة على مرأى النظر وترى في كل بيت حكاية، فهنالك إثنان يفعلان ما يجري هنا وهناك إمرأة تبكي غضب زوجها وتجاوزه عليها وهناك رجل وحيد يجلس في الشرفة خالية حياته من أي أنثى تجعله يبتسم للحياة ويحبها.
وهي قد تجاوزت الثلاثين بسنين ولا زالت تتخيل كيف تكون حياتها إن دخلها رجل؟
لطالما آمنت أن حظ النساء لا يكتمل إلا بالرجال.
-يا إلهي... كم اتوجع.
أين هم هؤلاء الرجال؟... لا رجال في محيط حياتها ،هل كتب عليها أن تبقى عزباء إلى سنين أخر...أم مدى الحياة؟
نظرت إلى حركة الناس والحياة...كل شيء يسير إلى أجل ما.
-ترى أين هو؟
ايسير باتجاهها أم عكس ذلك؟
أخفضت رأسها وراحت تمسك به بكلتا يديها كأنها طريقة نافعة لتنسى كل ذلك .
-آه....
وجدت نفسها تبكي بحرقة وبصوت مختنق حتى مد أحدهم يده على راسها:
-ماذا بك...ماذا هناك؟
رفعت رأسها لترى شقيقها يحمل منشفة يمسح بها شعر رأسه الذي كان يقطر ماءا حيث خرج من الحمام.
ابتسمت وسط الدموع:
-ابدا...لا شي.
........
بقلم / "منى شكر "

ليست هناك تعليقات